الصوفية أو التصوف مشتق من الصوف لأنه غالب لباسهم إقتداء بالأنبياء كما يأتي قريبا ، وينسبون إلى أهل الصفة أيضا ، قال الحاكم في المستدرك ج 3 ص 18 : تأملت هذه الأخبار الواردة في أهل الصفة فوجدتهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم ورعا وتوكلا على الله عز وجل وملازمة لخدمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، اختاره الله تعالى لهم ما اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم من المسكنة والفقر، والتضرع لعبادة الله عز وجل، وترك الدنيا لأهلها، وهم الطائفة المنتمية إليهم الصوفية قرنا بعد قرن، فمن جرى على سنتهم وصبرهم على ترك الدنيا والأنس بالفقر، وترك التعرض للسؤال فهم في كل عصر بأهل الصفة مقتدون وعلى خالقهم متوكلين وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الطائفة بما خصهم الله تعالى به من بين الطوائف بصفات فمن وجدت فيه تلك الصفات استحق بها اسم التصوف فمن وفق لاستعمال هذا الوصف من متصوفة زماننا فطوباه، فهو المقفي لهدي من تقدمه، والصوفية طائفة من طوائف المسلمين، فمنهم أخيار ومنهم أشرار لا كما يتوهمه رعاع الناس وعوامهم، ولو علموا محل الطبقة الأولى منهم من الإسلام، وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمسكوا عن كثير من الوقيعة فيهم.
قال ابن خلدون في تاريخه ج 1 ص 611 : أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة.
قال ابن تيمية في مجموع فتاوىه ج 11 ص 195 : اسم " الصوفية " هو نسبة إلى لباس الصوف؛ هذا هو الصحيح وقد قيل إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء وقيل إلى أهل الصفة... الخ
قال محمد بن عبد الوهاب في فتاوى ومسائل ج 1 ص 31 : أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو: العلم النافع، ودين الحق الذي هو: العمل الصالح؛ إذا كان من ينتسب إلى الدين: منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء، ومنهم من يتعانى العبادة وطلب الآخرة كالصوفية، فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين الخ.
ومما يدل أن الصوفية مشتق من الصوف أيضا ما ورد في صفة الصفوة لابن الجوزي ج 2 ص 455 : ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮﻑ ﺑﺎﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺃﻗﺎﻣﺖ ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺼﻮﻑ ﻭﻻ ﺗﻨﺎﻡ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻣﺼﻼﻫﺎ ﺑﻼ ﻭﻃﺎء .
قلت : إن ثبت أن الصوفية مشتق من الصوف فقد ثبت في مسند أبي داوود الطيالسي رقم 328 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﻄﺎء، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: «ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻳﺮﻛﺒﻮﻥ اﻟﺤﻤﺮ ﻭﻳﻠﺒﺴﻮﻥ اﻟﺼﻮﻑ ﻭﻳﺤﺘﻠﺒﻮﻥ اﻟﺸﺎﺓ ﻭﻛﺎﻥ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﻤﺎﺭ اﺳﻤﻪ ﻋﻔﻴﺮ»
وفيه رقم 1663 : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻫﻤﺎﻡ، ﻋﻦ ﻗﺘﺎﺩﺓ، ﻋﻦ ﻣﻄﺮﻑ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ: «ﺻﻨﻌﺖ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﺮﺩﺓ ﺳﻮﺩاء ﻣﻦ ﺻﻮﻑ ﻓﻠﺒﺴﻬﺎ، ﻓﺄﻋﺠﺒﺘﻪ.
قلت : إسناده صحيح.
وفيه رقم 2262 : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺷﻌﺒﺔ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻷﻋﻮﺭ، ﺳﻤﻊ ﺃﻧﺴﺎ، ﻳﻘﻮﻝ: «ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺮﻛﺐ اﻟﺤﻤﺎﺭ، ﻭﻳﻠﺒﺲ اﻟﺼﻮﻑ، ﻭﻳﺠﻴﺐ ﺩﻋﻮﺓ اﻟﻤﻤﻠﻮﻙ، ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻳﻮﻡ ﺧﻴﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﺭ ﺧﻄﺎﻣﻪ ﻣﻦ ﻟﻴﻒ.
قلت : صححه المتشدد الألباني في الصحيحة من رواية أبي موسى الأشعري. وفي صحيح الجامع رقم 4946.
اسمع رؤساء المتشددين الوهابيين يدافعون عن الصوفية :
ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻉ فتاويه ج 11ص 6 : ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻇﻬﺮﺕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻭﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺑﻨﻰ ﺩﻭﻳﺮﺓ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﻌﺾ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﺴﻦ البصري ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲﺍﻟﺰﻫﺪ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﻣﺼﺎﺭ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻓﻘﻪ ﻛﻮﻓﻲ ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﺑﺼﺮﻳﺔ.
تعليقات
إرسال تعليق